Monday, November 14, 2011

البحث عن الذات - صالح الخريبي رحمه الله تعالى (أبوخلدون) - فنجان قهوة


كان يتحدث، وكنت أستمع إليه باهتمام بالغ، فهو شاب في مقتبل العمر بدأت رحلته الطويلة في البحث عن الذات، قال: «قررت قبل مدة أن أصبح شاعراً، كنت أظن أنه يكفي أن أتخذ قراراً ليتيسر لي تنفيذه، لم أكن أرغب في أن أصبح شاعراً تقليدياً مثل المتنبي والمعرّي وأحمد شوقي، فهؤلاء كانوا يكتبون لجيل غير جيلنا، ويؤمنون بمفاهيم وقيم تختلف عن المفاهيم التي يؤمن بها شباب هذه الأيام، ولذلك قررت أن أكون شاعراً حداثياً».

«تعرف ولا شك أولئك الذين يصفون أنفسهم بالشعراء الحداثيين، وهؤلاء هم الذين قررت أن أكون منهم، بدأت أكتب وأكتب، محاولاً الجري على نسقهم، وأن تكون صوري وتعابيري غريبة وغامضة مثلهم، لكي لا يفهمها الناس، وعندما أغالب الغموض فيغلبني، كنت ألجأ إلى كتابات هؤلاء، فأستعير تعبيراً من هنا وتعبيراً من هناك، وأصنع منها قصيدة، ثم أذهب إلى حيث تلتقي قبيلة الشعراء لألقي عليهم ما كتبت فلا أحد يستمع، كما لا يستمع أحد عندما يقرأون هم أيضاً».

«وبعد أشهر من مصارعة الشعر، بدا لي أن الشعراء لا مستقبل لهم، فأنا لا أعرف شاعراً أصبح مليونيراً من وراء شعره، فضلاً عن أنني كنت أتصور أنني خلال أشهر قليلة من بدء كتابتي للشعر سأمسح عزرا باوند وأليوت وأدونيس ومحمود درويش من الوجود، ولكن المسافة بيني وبينهم ظلت أبعد من المسافة بين الأرض وأبعد النجوم في الفضاء».

«وهجرت الشعر، واتجهت إلى الغناء، لعله من الأفضل أن أكون مطرباً، أو موسيقياً، فالغناء ليس شغلة صعبة، وراغب علامة ووائل كفوري ليسا بأفضل مني، فضلاً عن أن صوتي أجمل من أصوات الجميع بشهادة الجميع، ومرة أخرى لم أكن أرغب في أن أصبح مثل عبد الوهاب، أو فريد الأطرش، أريد أن أكون مطرباً شبابياً يقدم إسهامات للأغنية الشبابية، فهذا النوع من الأغاني هو الذي يحبه الناس هذه الأيام، ولذلك جمعت كل ما في مكتبتي من دواوين شعرية، وألقيتها طعماً للنيران، واشتريت «أورغ» كهربائياً، ومجموعة بوسترات لكبار النجوم، مثل نانسي عجرم وروبي وأليسا وهيفاء وهبي، وملأت جدران غرفتي بالصور، واتفقت مع مجموعة من أصدقائي على تكوين فرقة غنائية شبابية على غرار الـ «باك ستريت بويز» والـ «فور كاتس»، وبدأنا نتدرب على العزف والغناء، وأسعدني أن أصدقائي أوكلوا لي مهمة رئاسة الفرقة التي أطلقنا عليها اسماً غربياً جذاباً طبعناه على كل «تي شيرت» نرتديه، وبدا لي أنني أصبحت على بعد خطوات من تحقيق حلمي، فأنا الآن رئيس فرقة موسيقية غنائية، وغداً ستشتهر الفرقة وتصبح معروفة، ونشتهر معها جميعاً».

«وما العيب في الفرقة الموسيقية الغنائية؟ الدكتور أبو عوف هجر الطب من أجل تأليف فرقة غنائية، وفرقة ال «فور كاتس» تحصل في ليلة واحدة على مبلغ يزيد على المبلغ الذي يحصل عليه كل الشعراء العرب في سنة كاملة، ولكننا جميعاً سرعان ما شعرنا بالملل، وهجرنا الفرقة».

حدثني الشاب أخيراً عن اتجاهه للرسم، وهجره بعد ذلك بفترة، وعودته للكتابة، ولكن لكتابة القصة، وهجرها أيضا. وسألني النصيحة قائلاً: «ماذا أفعل؟» فقلت: «حاول أولاً أن تعرف ما تريد، وستصل إليه


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment