Monday, November 14, 2011

عصر الانحطاط. - صالح الخريبي


من القصص الطريفة التي حفظها لنا التاريخ أن أعرابيا جاء يستعرض مهاراته أمام الخليفة المأمون، فقال المأمون له: «وماذا تحسن أيها الرجل؟» قال: «أستطيع أن ألقي الإبرة فتدخل في ثقب الإبرة، وأصنع بذلك هرماً عالياً من الإبر»، فاستغرب المأمون كلامه، وطلب منه أن يستعرض هذه المهارة أمام كل من كانوا في مجلسه، ففعل الرجل، وأعجب المأمون ومن كان في مجلسه بمهارته، وأمر له بمائة ألف دينار مكافأ، وطلب من جلاده أن يجلده مائة جلدة، وذعر الرجل، وبدأ يبكي ويستعطف: «روحي فداء أمير المؤمنين، لقد أمرت لي بالمال لأنني أمتعتك بهذا الاستعراض الغريب، ولكن، لماذا الجلد؟» فقال له المأمون: «التدرب على مهارة من هذا النوع يحتاج إلى صبر ووقت طويل وما أراك إلا أضعت سنوات عمرك في التدرب على مهارة لا تفيد أحداً على الإطلاق».

ومن يتصفح كتاب «جينيس» للأرقام القياسية يجده حافلا بالهوايات الغريبة التي لا تفيد أحداً، والطريف أن معظم أصحاب هذه الهوايات هم من أبناء العالم الثالث الذي يحتاج إلى كل جهد من جهود أبنائه ليتمكن من تجاوز واقعه الصعب، ومن ذلك: شخص أطال أظفاره حتى وصل طولها إلى 3.35 متر، وأمضى 35 سنة من حياته في العناية بها، فقط لكي يدخل اسمه في موسوعة «جينيس»، وآخر جلس ثلاثة أيام في بانيو مملوء بعصير الطماطم، وثالث أمضى الشهور في عمل دؤوب لكي يكتب 1749 حرفاً على حبة أرز، ورابع أطال شاربه حتى صار طوله من الطرف الأيمن إلى الأيسر يزيد على المتر، ناهيك عن الذي وقف لمدة 30 ساعة على رجل واحدة، والذي أكل 81 أصبع موز في 30 دقيقة، والذي دخن  114 سيجارة في 3.5 دقيقة.

والمهارات التي لا تفيد أحداً كثيرة الشيوع هذه الأيام في معاهد الأبحاث في الولايات المتحدة، إذ أن العديد من الدراسات التي يجريها علماء بارزون، ويمضون السنوات الطويلة فيها، وينفقون عليها ملايين الدولارات، هي أشبه ما تكون بمهارة إدخال الإبرة في ثقب الإبرة.

وتجربتنا تقول لنا إنه عندما اتجهنا إلى مهارات من نوع إدخال رأس الإبرة في ثقب الإبرة، دخلنا في عصور الظلام، وانتهينا ولا خيل عندنا نهديها ولا مال.. وها هو التاريخ يكرر نفسه ولكن على الجانب الآخر من المحيط، ويقول لنا: «استبشروا خيراً


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment