Monday, November 14, 2011

الصمصامة والدروع - صالح الخريبي


في التراث الشعبي الشرقي القديم قصة طريفة تتحدث عن بائع رماح ودروع كان يطوف في المدن والقرى يدلل على بضاعته، في محاولة لإثارة اهتمام المشترين بها، وكان هذا الرجل يمسك درعاً من دروعه، ويعرضها أمام الناس بزهو وهو يصيح: «درع قوية، مزرّدة، أقوى من الفولاذ، تحمي الصدر وتقي الظهر، ولا تستطيع الرماح اختراقها، تفل السيوف، وترتد عنها السهام، وتحمي الأبطال في الوغى»، فيقبل الناس على شراء دروعه. ويمسك الرجل بعد ذلك برمح من رماحه، ويعرضه للناس وهو يصيح: «رمح متين، فاتك، يخترق الدروع كما تخترق السكين قطعة الزبدة، ولا تصمد أي درع أمامه»، فيقبل الناس على شراء الرمح وهم يتصورون أنهم تسلحوا بدروع لا تستطيع الرماح اختراقها، وحملوا رماحاً تخترق كل الدروع، وأصبحوا في مأمن من عاديات الحرب.

وذات يوم سمعه أحد الحكماء يدلل على دروعه ورماحه بكلماته المعهودة، فنظر إليه، وابتسم ساخراً، وقال: «ماذا يحدث يا سيدي لو أننا صوبنا رماحك إلى الدروع التي تبيعها، هل تخترقها أم لا؟»، فبهت التاجر ولم يحر جواباً.

والذين يراهنون على عوامل خارجية لحل مشكلاتنا أصدق ما يمكن أن يقال فيهم هو: إن عبارات تاجر السلاح خدعتهم إلى درجة أنهم باتوا يعتقدون أن الدروع التي يبيعها تحمي صدورهم وظهورهم، وأن الرماح التي يزودهم بها كفيلة باختراق صدور خصومهم، ولكن هؤلاء لن ينتظروا طويلاً حتى يكتشفوا أن تاجر الدروع أوقعهم في حالة شيزوفرانيا غريبة ضاع فيها حقهم الذي يدافعون عنه، فقوتهم الحقيقية التي تشكل درعاً تحمي صدورهم، ورمحاً فاتكاً يخترق صدور أعدائهم ينبغي أن تأتي من داخلهم وليس من الخارج، وكان حرياً بهم أن يأخذوا بكلمة ذلك البدوي عمرو بن معدي كرب الزبيدي الذين يقول: «خذ اليد التي تضرب، قبل أن تأخذ السيف». فقد كان لعمرو سيف شهير اسمه «الصمصامة»، فطلب منه أعرابي أن يعطيه السيف ليجربه، وأمسك الأعرابي بالسيف وضرب شجرة، فلم يفعل السيف فيها شيئاً، فقال لعمرو: «يقولون إن سيفك قاطع، وهاهو لم يفعل شيئاً في الشجرة»، فقال: «إن قوة السيف في قوة اليد التي تحمله، وأنت أخذت السيف ولم تأخذ اليد التي تضرب به، ولكي يصبح السيف قاطعاً ينبغي أن تأخذ اليد التي تضرب به أيضاً».


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment