Tuesday, November 15, 2011

فوبيا وفوبيا مضادة - صالح الخريبي


صموئيل هنتينجتون اشتهر بالدراسة التي نشرها في مجلة «فورين أفيرز» بعنوان «صراع الحضارات»، ولكنه نشر خلال السنوات الماضية دراسات لا تقل أهمية من بينها «إعادة تشكيل النظام العالمي»، و«من نحن؟ التحديات التي تواجهها الهوية الوطنية الأمريكية»، وفي الدراسة الأخيرة يتحدث عن هجرة مواطني أمريكا الوسطى والجنوبية من أصل إسباني إلى الولايات المتحدة ويقول: «إن الهجرة المكسيكية أدت إلى حدوث اختلال خطير في المناطق التي ضمتها الولايات المتحدة من المكسيك في القرن التاسع عشر، فالمهاجرون الجدد يشعرون بأن لهم حقاً تاريخياً بمناطق تشكل حاليا ما يعرف بالولايات المتحدة، وليس هنالك أية أقلية ثقافية أو عرقية غيرهم تشعر بأن لديها مثل هذا الحق. وإذا استمرت هجرتهم إلينا فإن الولايات المتحدة بأسرها ستفقد هويتها الثقافية، وستتحول إلى دولة بثقافتين، ولغتين، وشعبين، وهذا لن يؤدي إلى إحداث تحول في الثقافة الأمريكية فقط، وإنما سيترك تأثيرات بعيدة المدى على الأمريكيين من أصل إسباني الذين سيشعرون بأنهم يعيشون في أمريكا ولكنهم ليسوا منها».

وفي كتاب «عصر مظلم أمامنا» تتحدث جين جاكوبس، الكاتبة الأمريكية التي تعيش في كندا عما تطلق عليه «فقدان الذاكرة الثقافية للشعوب» بسبب انتشار الهجرات على نطاق واسع، وعن «الفوبيا الثقافية التي يحدثها الخوف من فقدان الذاكرة الثقافية» وترى في هذين العاملين عنصرين أساسيين في انهيار الحضارات، وهي ترجع موجات الإرهاب التي يشهدها العالم إلى هذه الفوبيا التي باتت تهيمن على المجتمع الأمريكي والفوبيا المضادة التي تهيمن على المجتمعات العالمية الأخرى، وتضيف: «الفوبيا الثقافية طريق باتجاهين، فوبيا وفوبيا مضادة، وهي تنتج عن انحلال المجتمع وفقدان حيويته الثقافية، ولذلك فإنه يحصن نفسه وراء ذهنية أصولية لا تنغلق على ذاتها وعلى التيارات الديناميكية الحيوية الخارجية فقط، وإنما تتوقف عن التأثير في الثقافات الأخرى بسبب فوبيا هذه الثقافات منها». والفوبيا والفوبيا المضادة نشرتهما الولايات المتحدة في العالم، فكل شعوب العالم تشعر بأن إرثها وتميزها مهددان بسبب أمريكا، وها هي الأصوات الأصولية ترتفع في أمريكا كما هي في الدول الأخرى، وها هو هنتينجتون يتحدث عن المهاجرين بطريقة منغلقة على الذات.

وأمريكا تعيش حاليا حالة فوبيا خطيرة، تطلق عليها الإرهاب، وكل شعوب العالم تعيش حالة فوبيا مضادة من أمريكا، وتلاحظ جين جاكوبس في استعراضها للأسباب التي أدت إلى انهيار الحضارات أن هذه الانهيارات كانت تسبقها دائما هجرات جماعية وفوبيا من المهاجرين لدى الدول التي تستقبلهم، وتضيف: «ترافق انهيار الإمبراطورية الرومانية وبدء عصور الظلام بهجرات على نطاق واسع، وبفقدان الشعوب لذاكرتها القومية بشكل ملحوظ، ولكن الهجرات التي تحدث في الوقت الحاضر أشد خطرا، إذ أن الذين يغادرون أوطانهم ومدنهم وقراهم إلى دول أخرى هربا من الاختناقات السياسية والاقتصادية والثقافية باتوا يهددون المجتمعات التي يهاجرون إليها «بكولونيالية معكوسة» هي التي تحدث عنها هنتينجتون عندما تناول أخطار المهاجرين من أصل إسباني إلى أمريكا.

والمفكرون الغربيون بشكل عام مسكونون بالخوف من ازدياد الهجرة بشكل عام، وازدياد هجرة المسلمين إلى أوروبا وأمريكا بشكل خاص، وقبل عشر سنوات كتب هنتينجتون محذرا أوروبا من ازدياد عدد المسلمين فيها وقال: «إن معدل الزيادة السكانية لدى مسيحيي أوروبا انخفض بشكل ملحوظ، وارتفع بين المسلمين بشكل ملحوظ أيضا، بحيث وصل إلى ثلاثة أضعاف مثيله لدى غيرهم، وخلال العقدين الماضيين تضاعف عدد هؤلاء ووصل إلى 16 مليونا، أو ٪3.5 من السكان، ومع حلول عام 2015 سيصل إلى 32 مليونا بينما يظل عدد غيرهم عند حدوده الحالية، ومع حلول عام 2050 ستصل نسبة المسلمين إلى ٪25 من السكان».

والمعضلة التي يواجهها العالم هي أن أمريكا التي ترسم ملامح العالم الجديد لم تستقر حتى الآن على شكل معين لهذه الملامح.


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment