Tuesday, November 15, 2011

احذر البويا - صالح الخريبي


في هيئة الأمم المتحدة لجنة تتألف من خمسة عسكريين، الأول صيني، والثاني فرنسي، والثالث روسي، والرابع أمريكي، والخامس تابعه البريطاني، وكل أسبوعين يلتقي هؤلاء في إحدى قاعات المحاضرات في مبنى الأمم المتحدة لعقد اجتماع مشترك، ويفتحون ملفاتهم للتأكد من خلو جدول أعمالهم من أي شيء، ثم يسألون بعضهم بعضا: ماذا سنناقش؟ ويأتي الجواب من الجميع: «لا شيء مهم، إذ أن أية جهة في الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لم تكلفنا بأي عمل»، فيعتبرون أن هذا الجواب كاف، ويوافقون على محضر الاجتماع، ثم يحددون تاريخ الاجتماع المقبل.

والعسكريون الخمسة يشكلون ما يطلق عليه «هيئة أركان الأمم المتحدة» المشكلة بموجب البند رقم 47 من قانون الأمم المتحدة لتقديم النصائح لمجلس الأمن، ومساعدته فيما يختص بالوسائل الضرورية لحفظ السلام والأمن العالميين، وهم يلتقون بشكل دوري، مرة كل أسبوعين، منذ عام 1946، ولم يحدث أن تخلفوا عن أي اجتماع، ومع ذلك فإن مجلس الأمن لم يسألهم رأيهم في أي شيء، والأمم المتحدة لم تطالبهم بأي شيء، وعندما يلتقون يتبادلون النكات، ويتسلون أحيانا بتبادل المعلومات بدافع الفضول، إلا أن الكلمات التي تتردد أثناء الاجتماع لا تسجل في محضر، فالمحضر يقتصر عادة على عبارتي «بدأ الاجتماع في الساعة (…)، وتقرر عقد الاجتماع المقبل يوم كذا».

وعمل هؤلاء الخمسة يذكرني بعمل ذلك الجندي البريطاني في مجلس العموم، فقد لفت جندي يحرس جدارا في المجلس نظر رئيس المجلس، فسأله عن طبيعة عمله، فقال الجندي: «إنني أحرس هذا الجدار»، ولدى التحقيق في الأمر مع الضابط المسؤول عنه تبين أن الجدار طلي بالبويا قبل نصف قرن، وجرى تكليف جندي بحراسته لتنبيه زوار المجلس وأعضائه والعاملين فيه إلى عدم الاقتراب من الجدار أو الاتكاء عليه لكي لا يلوثوا أيديهم وملابسهم بالبويا، وقد جفت البويا خلال يوم واحد بالطبع، ولكن الحراسة استمرت، لعدم صدور قرار بإنهاء مهمة الجندي.

والعسكريون الخمسة لم يصدر قرار بإلغاء هيئتهم لأن الأمم المتحدة لا تريد المساس ببند أساسي يمس شرعيتها ويعطيها الحق باستخدام القوة بشكل جماعي لتطبيق قراراتها، خصوصا وأن المنطق والميثاق ينصان على أن تضع الدول الأعضاء قواتها المسلحة بتصرف مجلس الأمن، ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن، كانت الولايات المتحدة تعارض تفعيل مهمة العسكريين الخمسة لكي لا تفتح لقوات شيوعية روسية أو صينية مجال المشاركة في حفظ الأمن في المناطق المتوترة في العالم، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي حاولت روسيا والصين إعادة تفعيل عمل اللجنة، فرفضت الدول الغربية، ربما لأنها تفضل التدخل عن طريق قوات حلف شمال الأطلسي فقط لا غير.

ولجنة الأمن والسلام العالميين المؤلفة من الجنرالات الخمسة تذكرنا بالجامعة العربية، إذ يستحيل إلغاء هذه اللجنة من دون المساس بالشرعية الأساسية للمنظمة الدولية، كما يستحيل إلغاء الجامعة من دون المساس بالأسس التي قامت عليها، والاثنتان تذكراننا بذلك الجندي البريطاني الذي ظل يحرس جدارا ليس بحاجة إلى حراسة مدة تزيد على نصف قرن.

وفي الأمم المتحدة هيئات وقرارات أخرى نائمة، ربما كانت بحاجة إلى تفعيل بعدما وضعت أمريكا يدها على العالم والأمم المتحدة.


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment