Monday, November 14, 2011

الحب والكراهية - صالح الخريبي


عندما تصرخ المرأة وتشد شعرها، وتقول للرجل: «أكرهك، لا أطيقك، لقاء الموت أهون من لقائك» تكون في حالة حب، وليست في حالة كره، ولكن حالة الحب هذه لبست رداء تنكرياً نطلق عليه نحن خطأ اسم الكراهية.

وعلماء النفس يقولون إن الكراهية ليست نقيض الحب، ونقيض الحب هو اللاحب. وعندما خيّر نزار قباني فتاته قال لها: «اختاري الحب أو اللاحب»، والحب والكراهية وجهان لعملة واحدة هي «الاهتمام» مع فارق واحد، هو أن الحب مشاعر إيجابية تنمو الى فوق، والكراهية مشاعر سلبية تنمو إلى تحت. مشاعر انتابتها حالة جنون من ذلك النوع الذي ينتاب خلايا الجسم، فيجعلها تنمو وتتكاثر بشكل جنوني، وتتحول إلى خلايا سرطانية تقتل الجسم بدل إفادته.

وفي الماضي كانوا يقولون: «ومن الحب ما قتل»، وقد ظلّت بريطانيا تحبنا حتى أهدتنا الصهاينة، وظلت أمريكا تحبنا حتى فرقتنا إلى شعوب وقبائل، وظل الروس يحبوننا حتى أهدونا نكسة 1967، وكل العالم يحبنا، ولكنه ذلك الحب الذي ينمو إلى تحت.

وعندما يتحدث نزار قباني، الوكيل المعتمد الوحيد للحب في الوطن العربي عن الحب يقول: «يحبها كرهي، ويا طالما/ وددت إذ طوقتها قتلها». أما ديك الجن الحمصي، فقد عبّر عن حبه لحبيبته بتقطيعها بسيفه، وظل يبكي على قبرها وينشدها الشعر، حتى مات.

وعند المحبين وحدهم اعتقاد راسخ بأن نهاية الحب هي نهاية العالم، ونهاية كل شيء حي، والعاشق يقتل لأن الحياة تصبح لا حياة إذا غاب عنها الحب، ولكن كيف ينتهي العالم بنهاية الحب؟ وكيف تصبح الحياة لا حياة؟ لم أقتنع يوماً بأن نهاية العلاقات العاطفية هي نهاية الحياة، وكنت دائما أقول: «سلام عليها ما أحبت سلامنا / وإن كرهته فالسلام على الأخرى»، وقد بحثت في الكتب التي تتحدث عن الحب فلم أجد إجابة عن سؤالي إلا عند الكاتبة الأمريكية جوي أوفرييك في كتابها «عذابات الحب» فهي تقول: «إن نهاية الحب معناها أن يقضي المحب الذي فقد حبه حياته ممدداً في العراء وسط صحراء بلا نهاية، فارغة من كل شيء، وخالية من كل أثر للحياة، إلا بضع شجيرات قليلة».

ونهاية العالم عند المحبين تعني موت الأحاسيس والمشاعر الجميلة، وعندما تتوقف القلوب عن دقاتها التي تعطي الحياة حساً وحركة وتجدداً ينتهي كل شيء. يروي الأصمعي أنه رأى بيتاً من الشعر مكتوباً على حجر يقول: «أيا معشر العشاق بالله خبروا /إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع؟»، فكتب تحته: «يداري هواه ثم يكتم سره/ ويخشع في كل الأمور ويخضع». وفي اليوم التالي عاد ليجد مكتوباً تحته: «وكيف يداري والهوى قاتل الفتى/ وفي كل يوم قلبه يتقطع؟»، فكتب تحته: «إذا لم يجد صبراً لكتمان سره/ فليس له شيء سوى الموت ينفع». وفي اليوم الذي تلاه جاء ليجد العاشق وقد كتب: «سمعنا أطعنا ثم متنا فخبروا/ سلامي إلى من كان بالوصل يمنع/ هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم/ وللعاشق المسكين ما يتجّرع».



Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment