Tuesday, November 15, 2011

عبقرية التوحد - صالح الخريبي


العباقرة الذين عانوا من مرض التوحد، ولازمهم المرض حتى المراحل الأخيرة من حياتهم كثيرون، لعل أشهرهم السير إسحق نيوتن الذي كان المرض يدفعه إلى اعتزال الناس، وتمضية معظم وقته في حديقة منزله، وتوحد إسحق نيوتن هو الذي أهدى نظرية الجاذبية للعالم، لأنه هو الذي دفعه إلى العزلة في ذلك اليوم، والجلوس تحت شجرة تفاح في حديقته، لكي تسقط تلك التفاحة الشهيرة على رأسه وتهدينا الجاذبية.

والذين قرأوا سيرة حياة ألبرت آينشتاين، مكتشف النسبية، وأكبر عبقرية في التاريخ، لا بد لاحظوا الكثير من أعراض التوحد في حياته وسلوكه، فهو لم يبدأ النطق إلا في الرابعة من العمر، وظل حتى التاسعة عاجزا عن استخدام اللغة للتعبير عن رأيه ورغباته، كما كان يعاني من أحلام اليقظة، ومن نوبات الغضب التي تشل تفكيره وتجعله عاجزا عن الكلام، وكل من يعرفه، بمن في ذلك والداه، كان يقول: إنه يعاني من الإعاقة. وفي المدرسة كان بليدا، إلى درجة أن أساتذته كانوا يقولون: «هذا الطالب سيظل فاشلا طوال حياته، ولن يتمكن من تحقيق أي شيء في المستقبل».

والأطباء الذين شرحوا دماغ آينشتاين قالوا: إن حجم مخه أكبر من الحجم العادي، وهي ظاهرة مألوفة لدى مرضى التوحد الذين يكون المخيخ لديهم أصغر من المعتاد أيضا، ولم يكشف الأطباء حجم مخيخ آينشتاين، ولكنه صغير حتما، وكبر حجم مخه لم يساعده على تعلم قيادة السيارات، وقد أمضى فترة من حياته يتعلم القيادة، ورغم ذلك ظلت مهارته فيها تقتصر على تشغيل مفتاح المحرك، وفتح باب السيارة وإغلاقه، فاكتفى من الغنيمة بالإياب، وظل طوال حياته يستخدم سيارات الأجرة.

وبيل جيتس، امبراطور الكمبيوتر ومؤسس شركة مايكروسوفت وأغنى رجل في العالم، ثبت بالفحص الطبي أنه لا يزال حتى الآن يعاني من عارض اسبيرجر، وهو أحد أعراض مرض التوحد، فقد كان في طفولته فضوليا وغريب الأطوار، وفي شبابه لم يكن متزنا، وفي فيلم «قراصنة وادي السيليكون» الذي أدى الممثل أنطوني مايكل هول فيه دور بيل جيتس، بدا عبقري الكمبيوتر في الفيلم خجولا (وهو بالفعل كذلك في حياته الخاصة) لا ينظر إلى وجه محدثه، وإنما يدير بوجهه إلى الجانب الآخر لكي يتفادى التقاء العيون، وفي أحد مشاهد الفيلم يقول لصديق له، محاولا تبرير عدم مشاركته لزملائه في نشاطاتهم الرياضية: «إن الرياضة تضر الجسم»، ولا أحد في العالم يعتقد أن الرياضة تضر الجسم، إلا الذين يرغبون في اختراع سبب لتبرير ابتعادهم عن الآخرين.

وفي الفيلم يظهر بيل جيتس يعاني من مخاوف من أشياء صغيرة، ويشغل نفسه أحيانا، كما يفعل ضحايا التوحد، بأشياء لا جدوى منها، مثل: الافتراض أنه سيعيش إلى سن الثمانين، وحساب عدد دقات قلبه طوال حياته، وعندما يحسب الأرقام ويحصل على جواب، يشعر بالغضب، ويتمدد فوق السيارة وهو يقول: «إن الجواب يفوق التصور». وتصرفات من هذا النوع ليست بعيدة عن مرضى التوحد الذين كثيرا ما يشغلون أنفسهم في أشياء لا تفيد أحدا، ومن ذلك أن المفكر الفرنسي بودلير كان يعاني من الهواجس، وكان يخرج ليلا في الشوارع، ويحصي عدد النوافذ المضاءة، وآخر كان يحصي أرقام السيارات، ويحاول معرفة عدد السيارات التي تقبل أرقامها القسمة على 3 وغير ذلك.

وأحيانا يكون التوحد طريقا إلى العبقرية، وفي الماضي كانوا يقولون: «بين العبقرية والجنون خيط رفيع جدا» لعل هذا الخيط هو التوحد.


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment